كتب للشرق تريبيون - أحمد كمال
منذ انتشار منصات التواصل الاجتماعي في العراق عام 2008، تغيّر شكل العلاقة بين السياسي والإعلام من جهة، والمواطن من جهة أخرى. فقد أدرك المسؤولون، سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين أو حتى دوائر خدمية، أن هذه المنصات لم تعد مجرد فضاء للترفيه، بل أصبحت مساحة مؤثرة تشكّل الرأي العام وتوجّه اهتماماته.
لذلك، حرصت الشخصيات العامة على توثيق كل تفاصيل أنشطتها اليومية، من مقابلة المواطنين وسماع شكواهم، إلى حضور الفعاليات والمعارض المتخصصة.
ولم يكن المصوّر – أو ما يُعرف بالـ Cameraman – بعيدًا عنهم، بل صار رفيقًا دائمًا للمسؤول في كل خطوة يخطوها .
هذا الاهتمام ارتبط مباشرة بما يكتبه المتابع العراقي على المنصات، حيث صار التعليق أو المنشور الفردي قادرًا على تحريك دائرة سياسية أو إعلامية كاملة.
مع مرور الوقت، اتخذ هذا التفاعل منحًى أكثر خطورة. فجزء من السياسيين لجأ إلى إنشاء “جيوش إلكترونية” وظيفتها تضخيم إنجازات وهمية والهجوم على الخصوم، فيما فضّل آخرون شراء دعم مدونين وإعلاميين مؤثرين لتلميع صورتهم أمام المجتمع.
لكن التأثير لم يتوقف عند حدود التلميع. فمع توسّع حضور المنصات الرقمية، تطوّر الدور الإعلامي ليصبح أداة لإلهاء الجمهور وتشتيت انتباهه. ففي كل مرة تبرز قضية محرجة للحكومة أو الأحزاب، نجد فجأة قضية أخرى تتصدر المشهد: زواج أو طلاق مؤثر، اقتناء سيارة فاخرة، تصريح مثير للجدل، أو حتى فضيحة اجتماعية.
وتتكفّل الصفحات المليونية بإعادة نشر هذه الأخبار بالصيغة نفسها، وأحيانًا حتى بنفس الأخطاء الإملائية، لتصنع ما يعرف بالـ “ترند”. وهكذا، يُسحب الرأي العام من قضية مهمة إلى أخرى سطحية.
غير أن أخطر ما أفرزته هذه المرحلة هو ما يُسمى “التبليط الإعلامي”. وهو أسلوب يقوم على تمهيد الشارع لقبول قرارات أو نتائج حساسة، عبر ظهور إعلاميين أو محللين أو سياسيين يتحدثون بشكل غير مباشر عنها قبل إعلانها رسميًا.
يتم ذلك لجسّ نبض الجمهور وتليين موقفه، حتى لا يفاجَأ بالقرار أو النتيجة. حادثة الدكتورة الراحلة بان زياد خير مثال على هذا الأسلوب. فقد تأجل إعلان التقرير النهائي حول ملابسات وفاتها مرات عدة بسبب غليان الشارع، إلى أن خرج أحد النواب برفقة طبيب مغترب ( والمعروف باعماله التطوعية خدمة للقضية الفلسطينية ) ليمهّد مسبقا لنتائج التحقيق، قبل أن يتم إعلانها رسميًا مباشرة بعد ذلك.
ما يحدث اليوم يوضح بجلاء أن العراق يُدار إعلاميًا بقدر ما يُدار سياسيًا. فالسلطات لم تعد تتحرك وفق أجندتها الداخلية فقط، بل باتت تقيس خطواتها على ضوء ما يُكتب ويُنشر في الفضاء الرقمي. وإذا أرادت تمرير قرار أو قانون وتخوّفت من رد فعل شعبي غاضب، فإنها تلجأ إلى “التبليط الإعلامي”، او الى خلق ترند موازي أو قضية جانبية تُلهي الرأي العام، لتضمن بذلك تمرير ما تريد بهدوء وسلاسة.