الشرق تريبيون - اخبار
أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تعيين سيباستيان لوكورنو رئيسًا للوزراء بعد أيام من استقالته، ما يكشف عمق الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا منذ الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أفرزت برلمانًا معلّقًا دون أغلبية واضحة.
رهان صعب
وفقًا لصحيفة "لوموند" الفرنسية، قبل لوكورنو، الحليف المقرّب لماكرون والقادم من اليمين، هذه المهمة شبه المستحيلة، وأعلن عبر منصة "إكس" أنه سيبذل كل ما في وسعه لضمان حصول فرنسا على موازنة بحلول نهاية العام.
لكن صحيفة "ليبراسيون" طرحت السؤال الأهم: كيف يمكن لرئيس وزراء فشل في تشكيل أقصر حكومة في تاريخ فرنسا خلال أقل من شهر، أن ينجح الآن بالتوجهات نفسها؟
ترى "ليبراسيون" أن هذا القرار يعكس حالة من الجمود السياسي، مشيرة إلى أن الرئيس الفرنسي يواجه صعوبات متزايدة في إدارة الأزمة الحالية، حيث لم تعد الآليات التقليدية للحكم كافية لحل الإشكاليات المتراكمة.
حل يتجاهله ماكرون
تؤكد كلتا الصحيفتين أن الحل الوحيد للخروج من المأزق يتطلب التفاوض مع اليسار غير المتطرف، وهي الحقيقة الحسابية والسياسية التي "تقفز أمام أعين الجميع" كما تقول "ليبراسيون"، لكن ماكرون يحاول بكل الطرق تجنّبها وإنكارها، إذ إنه منذ الهزيمة الانتخابية في 2024، كان أمام الرئيس الفرنسي خياران، وهما إما تسليم السلطة لليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان وجوردان بارديلا، الذي رفض الحكم دون أغلبية مطلقة، أو البحث عن حل وسط مع اليسار وتكليف البرلمانيين بالتوصل إلى برنامج حدٍّ أدنى حتى 2027.
وترى "ليبراسيون" أن الحل كان واضحًا منذ عامين، وهو الحكم مع اليسار أو على الأقل بموافقته، من خلال تعديل السياسات التي لم تحظَ بدعم الناخبين في الانتخابات الأخيرة.
وتشير "ليبراسيون" إلى أن ماكرون، الذي انتُخب مرتين على أساس "تجاوز الانقسامات" وتخطي الصراع بين اليمين واليسار لإنهاء العجز الحكومي، كان بإمكانه القول: "هذه هي اللحظة المناسبة"، وتسليم جزء من المسؤوليات لليسار، لكنه بدلًا من ذلك ظل متمسكًا بمواقعه اليمينية كما فعل في 2017 و2022.
طريق مسدود
كشفت "ليبراسيون" أن اجتماع الجمعة مع الأحزاب في قصر الإليزيه، الذي دعا إليه ماكرون لتجنّب حلّ البرلمان، تحوّل إلى كارثة حقيقية، إذ حضر قادة الأحزاب باستثناء اليسار المتطرف واليمين المتطرف، لكن اللقاء انتهى دون أي تقدم.
القاسم المشترك الوحيد بين المجتمعين كان الصمت عند الخروج، بينما واصل زعيم حزب الجمهوريين برونو روتايو انتقاداته الحادة للتحالف الهش الذي يحاول الرئيس التمسك به كملاذٍ أخير.
أمام هذا المشهد، وفي غياب أي إشارة حقيقية من ماكرون تجاههم، لم يجد قادة الاشتراكيين والشيوعيين والخضر، رغم روح المسؤولية التي يتحلون بها، سوى الاعتراف بالطريق المسدود، والأسوأ أن الاجتماع الذي كان يفترض أن يمنع حل البرلمان أوصل الأمور إلى النقطة المعاكسة تمامًا.
فرصة أخيرة للوكورنو
تمنح "ليبراسيون" لوكورنو "فرصة ضئيلة لإنقاذ الموقف وإنقاذ نفسه"، لكنها تشترط عليه "قتل الأب" والتوقف عن الاستماع لماكرون، الذي "يتأخر دائمًا عن تقديم التنازل الضروري"، إذ إن الاشتراكيين والكتلة الوسطية وحتى الجمهوريين ليس لديهم مصلحة في حل البرلمان، وسيضطرون لتقديم تنازلات لتجنّب التصويت على حجب الثقة الذي سيطرحه اليمين واليسار المتطرفان حتمًا.
هنا يتعيّن على لوكورنو أن يتجه نحو اليسار، وربما يقدم تنازلات أكبر مما كان سيقدمه رئيس وزراء يساري، حتى يتمكن من إنقاذ الوسط اليميني والماكرونية من المأزق السياسي الذي أوقعهم فيه الرئيس، على أن يترك لماكرون المجال الذي لا يزال يبرع فيه، وهو ملف السياسة الخارجية.
فرنسا تغرق وأوروبا تراقب
وترى الصحيفتان أن فرنسا تغرق أكثر فأكثر في الأزمة، وإقرار الموازنة بات يشبه السراب، والجيران الأوروبيون ينظرون بعيون يائسة أو ساخرة، والرابحون الوحيدون من كل هذه الفوضى، هم مارين لوبان وجوردان بارديلا من اليمين المتطرف، اللذان يستفيدان من تعمّق الأزمة السياسية.