كتب : محمد العطيفى
أظهرت حرب غزة للعالم أن منطقة الشرق الأوسط تفتقر الى دبلوماسية واسعة خصوصاً فى العلاقات العربية الإسرائيلية حتى وأن تم التطبيع لكل دول الشرق الأوسط بلا إستثناء بما فيها ايران لن يكون هناك سلام طويل الأمد لأسباب كثيرة تحتاج الى معالجات بعد مراجعات دقيقة وثاقبة .
ضم التطبيع دولاً عربية كثيرة منها الإمارات والمغرب والسودان والبحرين بالإضافة الى دولتى الجوار ( الفلسطينى -الإسرائيلى ) مصر والأردن .
غزة بعد السابع من أكتوبر دمرت عن بكرة أبيها والشعب الفلسطينى القاطن فى غزة المدمرة أعزل وأسير يعانى ويلات الحرب ويتألم من شدة الجوع نقص فى ابسط أنواع الدواء ، واستبدل الماء والدواء بالأكفان .
نتنياهو يحقق أهدافاً ويزعزع أمن المنطقة دون رادع أو حساب لأحد ملوحاً بورقة ( حق الدفاع عن النفس ) ويهدم أى أسس للسلام بسياسات تتسم بالرعونة وعدم ضبط النفس التى يمكن البناء عليها وتفعيلها لأمن العالم والمنطقة .
هنا لا نقيم الخطأ الجسيم التى إرتكبته حماس فى عدوانها يوم السابع من أكتوبر على اسرائيل .
فما ترتب بعد ذلك والى اليوم فى سوريا وفى لبنان واليمن وحرب إسرائيل الخاطفة مع إيران وفى التنصل الإسرائيلى من أى دور للسلطة الفلسطينية فى المستقبل أو حتى ماينادى به العالم من حل للدولتين مؤشرات توحى بأن مايفكر فيه نتنياهو أبعد كثيراً مما تشهده أرض الواقع التى ترتوى بالدماء .
الصراع العربى – الإسرائيلى منذ عقود وهو محكوم بعوامل سياسية وتاريخية ونفسية متشابكة .
ولم يتم كسر هذه العوامل حتى من خلال السلام مع هذه الدول ، وحتى هناك العديد من الدول التى لم تطبع مع اسرائيل فى العلن فهى فى الخفاء ، وتبقى عوائق كثيرة تفرض نفسها ليظل هذا الصراع سواء من الجانب العربى أو الإسرائيلى سبباً رئيسياً فيما نشهده على الارض من دمار وخراب لأن المشاكل يجب أن تحل من الجذور برضى الطرفين بعيداً عن علاج المسكنات .
أولها:
- غياب الثقة المتبادلة بين أولاد العم
يرى العرب أن إسرائيل هى دولة إحتلال وشردت الفلسطينين والواقع الحالى ربما يوضح بما ليس لبس فيه من تكرار لفظ ( يهودا والسامرة ) وإحتلال غزة وبناء مستوطنات فى الضفة الغربية ، كلها مؤشرات بغرض تصفية القضية من الجانب الأسرائيلى .
وعلى الجانب الآخر فى اسرائيل يتعاملون مع المحيط العربى بريبة وعداء تاريخى تولد منذ بداية القضية حمل فى طياته ضغينة وكره ورغبة فى أن يمحو كل فريق للآخر من شدة العداء بعيداً عن الحوارات الايجابية التى تخلق مزاج الحوار الهادىء وتمهد للتعاون على أصعدة عدة .
لذا نجد أن أى تقارب اسرائيلى عربى يبقى هشاً لانه لم يتم بناؤه على مصالحة حقيقية ومعالجة جذور الصراع التى تساعد على التواصل والتعاون دون شك أو ريبة تعكر صفو العلاقات .
ثانيا :
- القضية الفلسطينية رغم اوسلو والعديد من المبادرات تراوغ مكانها
فالقضية الفلسطينية منذ نشأتها وهى تشكل لدى العرب جوهر الصراع ، ولايوجد رؤية واضحة يتفق عليها الطرفان العرب مع إسرائيل.
لذلك نرى العلاقات العربية – الاسرائيلية ناقصة أمام الرأى العام فى الاتجاهين .
فالجانب العربى يرى فى التطبيع مع إسرائيل بلا حل للقضية خيانة وتنازل ليس فقط للأرض بل للمقدسات ايضاً التى تشمل القدس .
أما الجانب الاسرائيلى كان يرى فربما تغير الرأى العام بعد أكتوبر 2023 رفضه لحق العودة وتبقى القدس الشرقية للفلسطينين ويمكن التفاوض على المستعمرات الإسرائيلية فى حال كان هناك ترسيم حدود .
هذا يوضح أن الطرفيين كانت لديهم الرغبة فى تقارب مشروط لكنه بدأ يتغير كثيراً اليوم تعاطفاً مع شعب غزة الأعزل والأسير وربما يشمل هذا التعاطف من أهل المخطوفين الاسرائليين والأسرى من الطرفين .
ثالثا :
-الاتفاقات الإبراهمية كانت فقط توازن بين المصالح والقيم
فالدول العربية التى دخلت هذا الأتفاق كان بدافع المصالح الإقتصادية والأمنية لكن غاب عنها الغطاء الشعبى أو الأخلاقى ليترك العلاقة باردة وشكلية بلاعمق إنسانى أو ثقافى يمكن البناء عليه ليكون ركيزة إنطلاق نحو اندماج خلى من الضغائن والتحلل من موروثات الماضى المليئة بالحقد والكراهية .
وهذا ما نشهده من خلال غياب للتواصل الحقيقى بين الشعوب ، فالعلاقة فقط محصورة على النخب السياسية أو الأمنية التى تترجم هذه الاتفاقات معزول عنها الشعوب وهو جوهر الالتقاء والتعاون فيما بينهم ، وهذا يعنى بعدم تواجد المصالحة بين الطرفين المتصارعين .
رابعا :
- الوسيط الغائب
حتى الآن لم يظهر طرف قادر على أن يكون جسراً صادقاً بين العرب واسرائيل يستطيع أن يوازن بين الحقوق العربية والفلسطينية وبين الأعتراف المتبادل .
الولايات المتحدة وحتى الصين وروسيا هم أكثر ميلاً وبشدة لإسرائيل مما يعمق فجوة فقدان الثقة بين أطراف الصراع .
فالخيط المفقود هو المصالحة على أساس العدالة ، لذلك إتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربيةغالياً عديمة الجدوى وهذا يتضح من مواقف دول التطبيع فى هذه الحرب وغياب الود بين نتنياهو وقادة هذه الدول لتمكنهم من الضغط عليه لوقف هذه الحرب ، والقبول بالوساطة التى تقوم بها كلاً من مصر وقطر برعاية الولايات المتحدة الامريكية بين إستهجان جزء كبير من العالم لسياسة حكومة نتنياهو الحالية والقول انها ( أكثر يمنية ) ليس دفاعاً عن نتنياهو فهو مدان من المحكمة الجنائية ، لكن بغرض وجود حل لهذا الصراع الذى تغيرت فيه موازين القوى وكشف ضعف المؤسسات الدولية بين القوة والعناد .
الحقيقة غير ذلك فتوقيع إتفاقية كامب ديفيد 1978 كانت مع( مناحم بيجن ) الذى كان يوصف بأنه أكثر المتشددين فى حكومة ( الليكود ) آنذاك مع الرئيس المصرى أنور السادات .
ووقعت الحكومات الإسرائيلية اليسارية المعتدلة من حزب العمل بقيادة ( إسحاق رابين ) السلام مع الأردن فى عام 1994 وإتفاق أوسلو 1993 مع منظمة التحرير . ثم استكمل المشوار ( شيمون بريز – حزب العمل الإسرائيلى ) .
إتفاقات ابراهام فى 2020 وقعها ( بنيامين نتنياهو) مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان وهو الذى يقود حرب غزة حاليا وحروب اسرائيل فى سوريا ولبنان واليمن وإيران .
خلاصة القول : حرب غزة من الواضح إنها ( عرقية ) أكثر من كونها حرب أرض أو وجود وجود ، فالطرفان كانا يعيشان معاً على الأرض ولسنوات طويلة رغم المناوشات التى كانت تظهر على السطح من حين لآخر .
لكن يظل السؤال !! لو كان هناك تقارب فعلى بين القادة فيما بينهم العرب واسرائيل ومساحة الود بينهم قادرة على الضغط لكل منهم على الآخر من واقع الثقة !!! هل كانت ستستمر هذه الحرب لهذه الفترة الطويلة وهذا الدمار والجوع الممنهج التى لم تشهد مثله البشرية فى حروبها الطويلة ؟؟؟