محمد العطيفى - رئيس التحرير
فى تاريخ السياسة كنا نراها هى الحكمة حتى وقت قريب ،و كانت تهدف الى تحقيق الخير العام حسب رؤية ( أرسطو ) الذى كتب العديد من المفاهيم السياسية فى كتابه( السياسة ) حيث ذكر أن الانسان ( كائن سياسى ) .
كما ذكر أرسطو أشكالاً منحرفة للديمقراطية منها ( الملكية الفاسدة ) والاوليغارشية ( الأرستقراطية الفاسدة ) والديمقراطية الشعبوية غير المنظبطة ( الجمهورية الفاسدة ). أوصى أرسطو بأن ممارسة السياسة يجب أن تكون لذوى الفضيلة والعقل ، لأنها مسؤولية أخلاقية عامة . ولتحقيق مجتمع مستقر وعادل لابد أن يكون قائماً على الأخلاق والعقل . ومع مانراه من دهاء السياسة وخباياها التى تأتى أحياناً ببحار من الدماء والدمار والخراب إلا انها تحتاج الى العقل والحكمة والأخلاق قبل أى شىء آخر .
وماعشناه فى عالم اليوم هو أما سياسة متطورة وإما شىء يبعد عن السياسة التى ذكرنا بعداً كبيراً ، يمكننا تسميته بمصطلح أخر وجديد يتفق مع ما نعيشه الأن .
نحن نعيش مرحلة كوميديا ساخرة فى عالم السياسة لم يشهدها العالم من قبل . فى الولايات المتحدة من الواضح أنها انتهت السياسة الجادة مع رحيل أوباما وتسلم ترامب مقاليد السلطة . كان وصول ترامب بزوبعة عجز فيها عن مجابهة كورونا التى حصدت الأف الارواح فى الولايات المتحدة .
وأتى بايدن للسلطة يتحرك بريموت كنترول وسحب القوات الامريكية من أفغانستان التى كانت موجودة وترامب فى السلطة، وتتكبد أكبر الخسائر من طالبان حيث خسر الامريكان 2700 جندى .مما دعا ترامب الى رغبته فى خروج القوات الامريكية من أفغانستان على ضوء استقالة وزير الدفاع ( جيم ماتيس )آنذاك .
أما بالنسبة لأوكرانيا فلايمكن مقارنة ( بتروبروشينكو) مع ( فولوديمير زيلينسكى) لا فى إسلوب الأدارة أو القيادة . لأن بروشينكو شغل مناصب فى الحكومة قبل أن يتولى الرئاسة . كان تركيزه فى بناء مؤسسات الدولة والجيش ،وعلاقة متوازنة مع العالم لاتدعو للدخول فى نزاع مسلح يأخذ أوكرانيا الفقيرة الى آتون الدمار.
رغم خطابه الحاد تجاه روسيا وصراعه معها حيث انصب تركيزه على بناء الجيش وتعزيز الدفاعات ، لكنه لم ينزلق أو يندفع الى مواجهة عسكرية وحرب شاملة مع روسيا . أما زيلينسكى فهو شعبويا يفتقر الى الخبرة حتى المحيطين به من مستشاريه .
فهو تبنى نهجاً أكثر تصعيدأ رغم محاولاته تحقيق السلام مع روسيا . لكنه انزلق الى حرب شاملة ، ربما أُجبر عليها بدعم أمريكى وأوروبى جعلته الآن يقف حائراً أمام أوروبا الغير واضحة الرؤيا تجاه أوكرنيا ،و ترامب الذى يرى زيلينسكى دكتاتوراً عليه أن يدفع ثمن الدعم الأمريكى الذى حصل عليه فى فترة بايدن حتى ولو على حساب سيادة أوكرانيا .
أتت حرب غزة لتزيد من الأعباء على رجال السياسة فى العالم أجمع والعالم العربى خصوصاً . ظهر فيها بوضوح أن هناك قائدان يدعمهم العرب يحافظان على المنطقة بعيون ثاقبة من أى مخططات تهدف الى زعزعة الأستقرار بها هما الرئيس عبدالفتاح السيسى وولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان حيث يتشاركا العديد من الرؤوى للمنطقة على الصعيدين السياسى والاقتصادى .
فمصر تحاول النهوض بالأقتصاد كأولى الاولويات ، وتسعى السعودية بخطط طموحة لتقليل الأعتماد على النفط وتشجيع الأستثمار فى مشاريع ضخمة لتحفيز النمو فى القطاعات الغير نفطية .
اما على الصعيد السياسى تبذل السعودية جل همها فى استضافة العديد من المؤتمرات التى تعيد الإستقرار وإيقاف الحروب التى أثرت على اقتصاديات العالم .
كما أقترح الامير محمد بن سلمان تأسيس دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية لتتجنب المنطقة تداعيات أخلاء غزة للمحافظة على الأستقرار وتجنب المنطقة فى الدخول فى صراعات عسكرية . وهذا يتفق مع الرؤية المصرية التى أعلنت عن رفضها إستقبال نازحين من قطاع غزة .
و يرى القادة العرب أن اسرائيل ترتكب إبادة جماعية فى غزة ، مما سيزيد من مساحة التباعد الكبير بين اسرائيل وجيرانها العرب .
نتنياهو يعيش فى حكومة هى الأكثر تطرفاً يظهر فيها نفوذ الأحزاب الدينية المتشددة زادت من حالة الاستياء من العلمانيين والمجتمع المدنى داخل اسرائيل ، وهذا يزيد يومياً الانتقادات الواسعة داخلياً وخارجياً حتى من أقرب حلفاء اسرائيل منها الولايات المتحدة .
خلاصة القول أن العالم تغير ، ويحتاج الى سياسات جديدة قائمة على العقل والأخلاق وليس التهديد والوعيد . ترامب يتراجع فى قراراته يوميا ، وهذا يزيد من مساحة الشك فى قدراته العقلية . القوى حاليا هى إقتصادية الصين والهند والعديد من دول أسيوية ، بالاضافة الى روسيا والشرق الأوسط .
سياسات ترامب تحاول وتجتهد فى عزل أمريكا عن العالم .
وهذا مؤشر أن العالم سيتكون بقوى جديدة فى مرحلة الذكاء الاصطناعى الذى بات طموح العالم .هاهو ترامب يطلب من الرئيس الاوكرانى بكل وقاحة دون ذرة خجل التنازل عن 50% من المعادن النادرة التى تستخدم فى الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا والطاقة وتعتبر أوكرانيا خامس منتج للغاليوم العنصر الاساسى فى أشباه الموصلات فهل سيرضخ زلينسكى ؟؟ . المعركة إقتصادية وليست القوى العسكرية كما كان يحلم بايدن أو ترامب حالياً حتى وأن رضخت أوكرانيا للمطالب .. العالم سيحكمة العقلاء والحكماء وذوى الاخلاق كما اوصى أرسطو . وللحديث بقية