كتب للشرق تريبيون - المستشار جابر حيدر
سيستغرب الكثيرون استخدام هذا العنوان ولكنه في الحقيقة عنوان دقيق لما فعله الذين تسيدوا المشهد في الانتخابات البرلمانية المصرية هذه الأيام ..تلك الانتخابات التي ستبقى نقطة سوداء في تاريخ الحياة السياسية المصرية ..
الانتخابات التي حكمها جبروت المال بأنواعه المختلفة... فاستخدام المال بأنواعه سواء أموال تبرعات أو أموال خاصة بالمترشح نفسه قد أفسد الحياة السياسية وقتل الارادة الحرة للناخبين وأساء للدولة المصرية في الخارج وأظهر قطاعا كبيرا من المصريين كشعب تحركه الكرتونة ويبيع ارادته الحرة بورقة بمائتي جنيه.......
وبدون مبالغة لقد تولى أصحاب المال الانتخابي تلويث وجه مصر الذي يعد في نظر كل وطني جريمة تعادل جريمة تلويث مياه النيل عند الفراعنة ...فأيام الفراعنة كانت تهمة تلويث مياه النيل من تهم الخيانة العظمى ...
وفي رأيي المتواضع أن الذين استخدموا المال بأنواعه قد لوثوا وجه مصر كله وليس ماء النيل فقط ويجب أن يحاكموا. مصر دولة كبيرة ومصر ليست في حاجه لمن يلوثون وجهها وليست في حاجة لمن لا مؤهل لهم سوى المال وشراء الزعران والبلطجية وحملة المباخر!!!
جبروت المال أحدث شرخا نفسيا لغالبية كبيرة من المصريين الذين يتساءلون في جنون من أين كل هذا ؟وكيف ظهر فجأة وكيف أنفق بهذه السهولة ولأي غاية ولأي عائد بالضبط يتم هذا الإنفاق المجنون ؟
وهل محاولات التجمل التي يمارسها البعض من خلال بناء مسجد أو ترميم حمامات مدرسة تكفي لتجميل الوجه القبيح للمال السياسي الذي لا يؤيده سوى فئة من حملة المباخر ؟
ولأنه في النهاية لا يصنع مجلسا يعبر بصدق عن المصريين ولكنه يخلق مجلسا لأصحاب المصالح والأثرياء يوم يندم الجميع ويبكي أصحاب الكراتين بدل الدموع دما. الانتخابات لم تأتي لتحل مشكلة الفقر ولم تأت لترميم المساجد ...
المساجد لها وزارة غنية تنفق عليها ...ولا خير في تبرع يصلح الحمامات في مسجد أو مدرسة ويفسد مجلس النواب عن طريق التوجيه غير السليم لإرادة الناخبين التي تصبح إرادة غير حرة او إرادة نصف حرة لأنها بنيت على معيار المال وحده ومعيار المنفعة المباشرة وتوجيه إرادة الناخبين الى اختيار المال دون سواه ؟
وطالما أنك مرشح (كُحيتي) ولست من أصحاب المليارات فلن تصل لنهاية السباق في هذه الانتخابات فكل صوت له ثمن حسب المنطقة التي يعيش فيها الناخبون ..
فهل هذا أمر صحي للحياة السياسية المصرية؟ وهل هذا تمثيل يعبر عن المصريين بكل فئاتهم أم أنه تكريس لجبروت المال الذي لا يمكنك الصمود أمامه إلا في حالتين اثنتين : إذا كنت من أصحاب النفوذ الكبير الذين تعترف الدولة بفضلهم أو إذا كنت منتميا لكيان أو حزب أيديولوجي يعتمد على العاطفة الدينية والولاء العميق لهذا الحزب ،أما ما عدا ذلك فأنت مجرد ليمونة في سلة ليمون "تحت شعاع الشمس المسنون والولد ينادي بالصوت المحزون ..عشرون بقرش بالقرش الواحد عشرون"!!!
لا مكان لك في الانتخابات طالما أنك لست من المبشرين بالقائمة ولست صاحب مليارات ولست صاحب نفوذ كبير ....فهل هؤلاء السعداء وحدهم يعبرون بالفعل تعبيرا صادقا عن المصريين ؟
وإذا كان الدستور ونظام القائمة قد صنع في الأصل من أجل حماية الفئات التي يمكن أن تضيع وسط الزحام ووسط الصراع فهل تحقق هذا بالشكل المطلوب أم أن القائمة لم تفعل أكثر مما فعله المال فخدمت الكبير وحرمت الصغير ؟
هل القائمة حققت الهدف الحقيقي من ورائها أم ساهمت في تكريس أوضاع سياسية غير سليمة وتحولت إلى مجرد أداة قانونية لتمرير ما يجب تمريره وأن ما تصرح به الأحزاب هو مجرد شعارات جوفاء وتغليف جيد لبضاعة غير جيدة؟
وهل حالة الانتقاد الساخنة التي ينطق بها عدد كبير من المصريين حاليا حول نظام القائمة هي حالة منطقية بعد كل هذا أم أن هذه الحالة غير مبنية على منطق سليم؟
إذا كنا نريد الخير لهذا البلد ولهذا الشعب فلابد أن نسأل كل هذه الأسئلة ولا بد من الإجابة عليها بشفافية وبضمير حي. والمشهد الذي نحن فيه يحتاج الى تدخل مخلص أو يحتاج باللغة الرديئة لهذه الأيام إلى "ضبط مصنع" أو يحتاج إلى طبيب ماهر ومخلص... طبيب يعالج الأمراض النفسية والاجتماعية التي بدأت تتفاقم ...
المشهد يحتاج الى طبيب يربط على قلوب المصريين ويرفع إصبع التحذير في وجه من يسيئون إلى مصر والمصرييين وينشرون الإحباط في ربوعها. المشهد يحتاج منا أن نسأل ونجيب بصراحة وبدون خوف أو مجاملة: هل الأحزاب المهيمنة على المشهد حاليا تقوي الوطنية وتعمق الولاء والانتماء لهذا البلد أم أنها من أسباب الإحباط الذي يسيطر على الكثير من المصريين؟
وهل حققت هذه الأحزاب نجاحا يذكر في الشارع وهل استطاعت أن تقنع عددا كبيرا من المصريين بوجودها وأهميتها أم أنها بقيت معبرة فقط عن شريحة ضيقة جدا تتحرك بشكل رمزي من خلال قواعد هشة في القرى والمدن؟ ....
وهل هذا الوجود الرمزي الهش يبني مستقبلا ويرسخ حياة سياسية حقيقية؟.