كتب للشرق تريبيون - محمد خودجه
صدر البارحة كتاب للباحث و المحلل السابق في جهاز المخابرات الإسرائيلية الموساد،والمتخصص في قضايا الشرق الاوسط آفي ميلاميد Avi Melamed ، بمشاركة الباحثة مايا هوفمان Maia Hoffman ، والكتاب صادر عن دار Skyhorse الامريكية ،بعنوان: داخل الشرق الأوسط: دخول عصر جديد
Inside the Middle East: Entering a New Era
وتكمن أهمية الكتاب في استكشاف أبعاد الرؤية الإسرائيلية لمستقبل الشرق الوسط،من منظور استخباراتي إسرائيلي،إن إشكالية الكتاب هي :لماذا يدخل الشرق الأوسط "حقبة جديدة"؟ هل هو فجر جديد؟ هل هو نهاية عهد؟ يؤكد الباحثان أن المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط في العشرية القادمة شديد التعقيد،لانه يتجه الى الدخول في عصر الجديد ، ينخرط اللاعبون الفرديون والتحالفات الإقليمية في صراع ملحمي على السلطة،حيث ستسير بعض الدول العربية في مسار محفوف بالاضطرابات والمخاطر و ،يقودها نحو نموذج جديد محتمل للدولة،بينما ستقاتل دول أخرى من أجل سيادتها وبقائها، كل هذا فيما تقترب الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط من نهايتها،لتفسح المجال للاعبين استراتيجيون أسيوين جدد ،يتزاحمون في منطقة الشرق الاوسط،وهم: الصين و الهند وروسيا وتركيا .
ومن وجهة نظر إسرائيلية يرى الكتاب، أن الشرق الأوسط يدخل حقبة جديدة ، متعددة الأوجه ومحفوفة بالتحديات و بالفرص،ويتم تحديد ملامح العصر الجديد للشرق الأوسط ،من خلال مزيج من العمليات القديمة والحديثة والمحلية والإقليمية والدولية ونتيجة لذلك، ستسعى كل من إيران وتركيا إلى وضع نفسيهما كقوة إقليمية واسعة التأثير،وفي موازاة ذلك ، ستواجه شعوب المنطقة صعوبات، للتغلب على التحديات المحلية المتزايدة،و يمكن أن تؤدي هذه التطورات ، إلى جانب الصراع المتصاعد على المسار والهوية والاتجاه ، إلى نموذج جديد للدولة في الشرق الأوسط، في حين أن بعض بلدان هذه المنطقة ستتخذ المسار المضطرب،الذي يقودها نحو نموذج دولة جديد محتمل ، في حين البعض الآخرسيضطر للقتال من أجل سيادتها وبقائها. ويقدم الكتاب من خلال 15 فصل،مسحا جيوسياسي لكل دول الشرق الأوسط وبشكل مفرط في سرد التفاصيل و الخصوصيات ،لرسم ملامح تطور الأحداث في الشرق الأوسط، وتأثيرها على المستويين المحلي والإقليمي، والتي تتحدى المفاهيم والمقاربات والنظريات الغربية الشائعة،ويقدم سيناريوهات حول بعض القضايا الإقليمية الأكثر حضورا اليوم.
يستخدم آفي ميلاميد خبرته الاستخباراتية ... لتسليط الضوء على ملامح العالم الجديد للشرق الأوسط،موضحًا ما تعنيه "اتفاقيات إبراهيم" عندما تقترب العديد من الدول الإسلامية من السلام والاعتراف بإسرائيل. تناول بالتحليل من الفصل الأول الى الثالث،المنافسات القديمة في الشرق الأوسط للقوى الإقليمية المتمثلة في إيران وتركيا،وسعيهما للهيمنة في الشرق الأوسط،من حيث الدوافع والإمكانات،والاستراتيجيات المعتمدة ،و التطرق إلى الانعكاسات المحتملة والمتوقعة لتطلعاتهم للهيمنة على الشرق الأوسط.
والكتاب يبين أن إيران تتجه لتصبح قوة بحرية مؤثرة في أمن الخليج العربي والبحر الأحمر، و انها ستغدو قوة بحرية، بشكل مباشر وغير مباشرفي الفضاءات البحرية الحيوية ذات الأهمية الحاسمة للتجارة الإقليمية والعالمية والأمن العالمي. تسند في ذلك على أذرع في قطاع غزة وعبر لبنان وسوريا والعراق واليمن تنشر بها قدرات التأثير في المنطقة.
وأن تركيا تتجه الى إحياء الإمبراطورية العثمانية ووضع تركيا - وخاصة رئيسها الحالي رجب طيب أردوغان، كزعيم للمعسكر السني في المنطقة، يبحث عن كل فرصة لتأمين مصالحه وتوسيع وزيادة نفوذ تركيا وقوتها في أقليم الشرق الأوسط،و أن تركيا تنشر جيشها وشبكة من الوكلاء المسلحين في شمال سوريا وشمال العراق والخليج العربي وجنوب اليمن والبحر الأحمر والصومال وليبيا وفي جميع أنحاء إفريقيا. ويؤكد أن مسعى الهيمنة الإقليمية لإيران و تركيا في الشرق الأوسط،، ستعتمد على مزيج من القوة الصلبة والناعمة ،بتوليفات مبتكرة،تساعدهما في بناء قدرات الهيمنة الإقليمية،وأن فهم سلوكهم ودوافعهم واستراتيجياتهم ،أمرًا ضروريًا لتفسير الشرق الأوسط بدقة اليوم ،وتفسير محتوى التوجهات التي تحكم هذا السلوك في المستقبل
وتناول الكتاب من الفصل الرابع حتى السابع ،الصراع على المسار والهوية والتوجيه في النموذج الجديد للدولة الامة في الشرق الوسط. وفي رأي الكاتبان، فإن فشل نموذج الدولة القومية في القرن العشرين في العالم العربي،أو على الأقل مواجهته لصعوبات شديدة،بسبب قوة تاثير اللبنات الأساسية التقليدية للهوية الفردية والجماعية وهي العرق ، والموقع الجغرافي ، والدين ، والقبلية ، والمصالح والسياسات الخصوصية الضيقة،والتي كانت أقوى بكثير من القيم الأساسية،وتراجع روابط تعتبر حاسمة لوجود دولة قومية فاعلة: المصير المشترك والمساءلة الحكومية والمسؤولية المتبادلة وسيادة القانون،حيث ان تفسير الإخفاقات التي ميزت دول العالم العربي ،ترتبط بأداء الدولة ، فعلى الرغم من وجودها المؤسساتي ، بقيت مكونًا ثانويًا للهوية الفردية والجماعية للناس،ومع تفاقم الصعوبات السياسية و الاجتماعية والاقتصادية،تشكلت قوى الغضب و الاضطراب في البلدان العربية.
وأنه على الرغم من تصاعد الغضب الشعبي في كثير من دول الشرق الأوسط منذ 2011،فإنه يتوقع عودة إالاضطرابات لبعض دول المنطقة،تؤدي الى المساس ببنية الدولة القومية و مكوناتها،ومن هذه الدول ليبيا و العراق و سوريا،وفي المقابل يرى الباحثان هناك صنف أخر من الدول التي سيتعزز نموذج الدولة القومية ،ويؤدي الى أوضاع استقرار سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا،ومن هذه الدول الجزائر و مصر و تونس،لاسباب كثيرة مرتبطة بالتاريخ و التركيبة الاجتماعية و التجربة السياسية، ويرة الباحثان أن منطقة الشرق الأوسط ستعرف توجه جيوسياسية جديد،اطلقا عليه تحالف الاعتدال(التطبيع)؛حيث التقارب المتسارع بين إسرائيل وبعض الدول العربية،والذي مصر والسعودية والإمارات و المغرب،سؤدي الى تضافر المصالح الإستراتيجية طويلة المدى،وأن هناك مسار اخر للتعاون بين إسرائيل و دول الشرق الأوسط ،والمرتبط بالآثار المترتبة على النظام البيئي في الشرق الأوسط،والذي سيؤثر في بناء تحالفات جيوسياسية قوية في المستقبل.
ومن التحولات التاريخية التي يرصدها الباحثان ، في العصر الجديد للشرق الأوسط هو غروب الهيمنة الغربية،ففي الفصل الثاني عشر ، بين الباحثان كيف أن التوترات المتطورة بين السياسة الواقعية والسياسة المثالية ، جنبًا إلى جنب مع الفهم المجزأ للغاية لصانعي السياسة الغربيين ،فيما يتعلق بالتعقيد متعدد الأوجه في الشرق الأوسط ، جعلت من الصعب على صانعي السياسة الغربيين صياغة سياسة متماسكة في الشرق الأوسط،لقد فشلت السياسة الغربية في الشرق الأوسط بسبب "غرفة الصدى الحلقية" حيث أصبحت المفاهيم لديم "حقائق"و تحولت الروايات الى "حقيقة"،لذلك ، فشلت السياسات حتما،وكان للفشل الغربي في صياغة سياسات فعالة في الشرق الأوسط تداعيات عميقة أولاً ، فشل الغرب في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وثانيًا ، فشل الغرب في تأمين مصالحه الخاصة،وأن ذلك قد سهل صعود تأثير الصين و الهند في الشرق الأوسط ،حيث أن السياسة الخارجية للصين هي على النقيض التام للسياسة الغربية،في ما يتعلق باهتمام الصين بالمنطقة من خليج حيفا إلى باكستان.
وعلى مسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني،يبين الكاتبان أن هذا الصراع يقترب من مرحلة بالغة الأهمية على الساحة الإسرائيلية والفلسطينية، فمع إقتراب من نهاية عهد عباس،الذي سيؤدي الى تغيير في الصراعً على السلطة داخل فتح،وأنه من المحتمل أن يشمل الصراع الداخلي الفلسطيني،والخصومات حلقات عنف في بعض مناطق الأراضي الفلسطينية،بالتوازي مع الصراع على السلطة داخل فتح ، سيستمر كل من فتح وحماس في النضال بحزم لتقديم نفسيهما كقائدين لا لبس فيهما للشعب الفلسطيني.
وأن من المهم أن التأكيد أن هذا الاقتتال الداخلي ، داخل فتح وبين فتح وحماس ، لا ينفصل عما يحدث على الساحة الإقليمية، وهو مرتبط بشكل خاص بالصراع على السلطة بين إيران من جهة ، وتحالف الاعتدال( دول التطبيع). ويتوقع الباحثان ظهور لاعب سياسي جديد على الساحة الفلسطينية، من الأعضاء الحاليين للاعبين الفلسطينيين الرئيسيين ، فتح وحماس ، بالإضافة إلى نشطاء سياسيين مستقلين ، لا سيما من معسكر المجتمع المدني،وانه إذا ظهر كيان سياسي فلسطيني جديد ،سيقدم منبرًا يوفر للفلسطينيين أفقًا من الأمل ورؤية للمستقبل وشفافية حكومية ،وأنه يمكن أن يكون هذا الممثل الجديد لاعبًا مهمًا على الخريطة السياسية الفلسطينية،يستطيع أن يسرّع بشكل عميق ،في تسوية مؤقتة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بسبب النظام الجيوسياسي متعدد الأبعاد الناشئ في الشرق الأوسط .
ورد ذكر الجزائر في هذا الكتاب في 25 صفحة ، بين الفصل الرابع و الخامس و السادس، في تحليل مستقبل الدولة-الامة في الشرق الأوسط،من حيث قدرة الجزائر الى جانب مصر و تونس على الحفاظ على تماسك الدولة الوطنية،وتطوير براغماتية سياسية لمواجهة القضايا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في العشرية القادمة.