الشرق تريبيون - مكتب الأمين العام للأمم المتحدة
في خطابه السنوي عن عمل الأمم المتحدة، قدم الأمين العام تقييما لأكثر التحديات إلحاحا في العالم، مشددا على الحاجة العاجلة لتعزيز التعاون الدولي للتصدي للإفلات من العقاب وتفاقم انعدام المساواة وتصاعد عدم اليقين.
وقال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إن "العالم في دوامة. إننا في عصر من التحولات، نواجه تحديات لم نر مثلها من قبل. تحديات، تتطلب حلولا دولية". ورغم ذلك، كما ذكر غوتيريش، تتعمق الانقسامات الجيوسياسية، وتستمر الحروب وتهديدات تغير المناخ والفوضى التكنولوجية.
جاء ذلك في الخطاب السنوي الذي يلقيه أمين عام الأمم المتحدة حول تقريره عن عمل الأمم المتحدة أمام كبار مسؤولي الدول الأعضاء بالمنظمة قبيل افتتاح المناقشة العامة رفيعة المستوى للجمعية العامة.
حقيقتان أكد عليهما غوتيريش: "أولا، حالة عالمنا غير مستدامة، فلا يمكننا الاستمرار بهذا الشكل. ثانيا، التحديات التي نواجهها يمكن حلها ولكن هذا يتطلب منا ضمان أن آليات حل المشاكل الدولية قادرة بالفعل على حل المشاكل".
وعن ذلك قال إن قـمة المستقبل هي خطوة أولى، ولكن الطريق لا يزال طويلا، والوصول إلى النتيجة المرجوة يتطلب معالجة ثلاثة عوامل كبرى تؤدي إلى عدم الاستدامة، وهي:
- عالم الإفلات من العقاب، حيث تهدد الانتهاكات أساس القانون الدولي ومـيثاق الأمم المتحدة،
- عالم عدم المساواة، حيث يهدد الظلم والمظالم بتقويض الدول أو حتى بدفعها إلى حافة الهاوية،
- وعالم عدم اليقين، حيث تهدد المخاطر الدولية، غير المُدارة بشكل جيد، المستقبل بأشكال غير معروفة.
إفلات من العقاب
وقال أنطونيو غوتيريش: "إن مستوى الإفلات من العقاب في العالم لا يمكن الدفاع عنه من الناحية السياسية أو قبوله من الناحية الأخلاقية". وقال إن عددا متزايدا من الحكومات وغيرها يعتقدون أن بإمكانهم أن يطأوا القانون الدولي وينتهكوا مـيثاق الأمم المتحدة وأن يغضوا الطرف عن معاهدات حقوق الإنسان أو قرارات المحاكم الدولية.
وأدان الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، التي أصبحت أكثر شيوعا. وحث الدول على إعادة تأكيد التزامها بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني.
وقال إن هذا الإفلات من العقاب موجود في كل مكان، في الشرق الأوسط وفي قلب أوروبا وفي القرن الأفريقي وأماكن أخرى. وعن الحرب في أوكرانيا قال إنها تنتشر دون مؤشرات على قرب نهايتها ليدفع المدنيون الثمن. وشدد على الحاجة العاجلة للتوصل إلى سلام عادل قائم على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
غزة
وتعد غزة كابوسا متواصلا يهدد بأن يعم المنطقة بأكملها، كما قال غوتيريش مشيرا إلى ما يحدث في لبنان الذي قال إنه يشرف على هاوية صراع آخر.
وقال: "إن شعب لبنان وشعب إسرائيل وشعوب العالم، لا يمكنهم تحمل أن يصبح لبنان غزة أخرى".
وأكد الأمين العام عدم وجود ما يبرر الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر أو أخذ الرهائن، وعدم وجود ما يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني. وقال إنه لم يشهد مثيلا لسرعة ونطاق القتل والتدمير في غزة، منذ تولى منصب أمين عام الأمم المتحدة.
وأشار إلى مقتل أكثر من 200 شخص من موظفي الأمم المتحدة في غزة، الكثيرون منهم مع أسرهم. وقال إن نساء ورجال الأمم المتحدة يواصلون العمل رغم ذلك. ووجه تحية خاصة لوكالة الأونـروا وجميع عاملي الإغاثة في غزة.
ما البديل عن حل الدولتين؟
وشدد على ضرورة أن يحشد المجتمع الدولي جهوده للوقف الفوري لإطلاق النار، والإفراج فورا وبدون شروط عن جميع الرهائن، وبدء عملية لا رجعة فيها على مسار حل الدولتين.
"لمن يواصلون تقويض هذا الهدف بإنشاء مزيد من المستوطنات والاستيلاء على الأراضي وبالمزيد من التحريض، أسألهم: ما البديل؟ كيف يمكن للعالم أن يقبل دولة واحدة تضم مثل هذا العدد الكبير من الفلسطينيين بدون أن يتمتعوا بأي حرية أو حقوق أو كرامة؟" كما قال غوتيريش.
وتطرق الأمين العام في كلمته إلى الوضع في السودان والصراع الوحشي على السلطة الذي أطلق العنان لعنف مروع، بما في ذلك الاغتصاب والاعتداءات الجنسية. وقال: "تتكشف كارثة إنسانية فيما تنتشر المجاعة، إلا أن القوى الخارجية تواصل التدخل مع غياب نهج موحد لإيجاد السلام".
انعدام المساواة
وتطرق الأمين العام إلى الحديث عن قضية انعدام المساواة، وأشار إلى أن "فجوة الثراء" تتسع بشكل كبير منذ جائحة كوفيد-19، حيث يحصد أغنى الأفراد ثروات غير مسبوقة فيما يعاني فقراء العالم.
وقال: "العالم لم يتعاف من تفاقم انعدام المساواة الناجم عن الجائحة. إن ثلث أفقر 75 بلدا في العالم، في وضع أسوأ اليوم مما كانوا عليه قبل 5 سنوات. وخلال نفس هذه الفترة، ثروات أغنى 5 رجال في العالم زادت بأكثر من الضعف".
ودعا أمين عام الأمم المتحدة إلى إدخال إصلاحات منهجية على المؤسسات المالية كي تدعم بشكل أفضل الدول النامية، وشدد على ضرورة ضمان المساواة الجنسانية، مسلطا الضوء على التأثير غير المتناسب للتمييز على النساء والفتيات.
وقال إن التمييز والانتهاك القائمين على النوع الاجتماعي، هما أكثر أشكال عدم المساواة شيوعا في المجتمعات. وأشار إلى بعض الدول التي تُستخدم فيها القوانين لتهديد الصحة والحقوق الإنجابية، وإلى أفغانستان التي تستخدم فيها القوانين لتعزيز القمع المنهجي للنساء والفتيات.
وبالنظر إلى قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة الممتلئة بقادة الدول وكبار مسؤوليها، قال الأمين العام: "أشعر بالأسف لملاحظة- رغم كل الكلام على مدى سنوات- أن عدم المساواة الجنسانية بادية للغاية في هذه القاعة ذاتها. أقل من 10% من المتحدثين خلال أسبوع المناقشة العامة من النساء".
تغير المناخ
وحذر أنطونيو غوتيريش من التهديد الوجودي لتغير المناخ، وحث الدول على اعتماد خطط عمل مناخية طموحة تتوافق مع هدف الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض كيلا يزيد عن 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.
وشدد على ضرورة أن يكون التحول إلى الطاقة المتجددة، عادلا وجامعا. ودعا الدول المتقدمة إلى قيادة طريق تمويل ودعم الدول النامية.
تحدث الأمين العام في خطابه عن التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي، محذرا من أن التكنولوجيا قد تفاقم الانقسامات وعدم المساواة إذا لم يتم وضع إطار عمل دولي تعاوني في هذا المجال.
وفي ختام خطابه دعا غوتيريش إلى العمل لدفع العالم إلى إفلات أقل من العقاب ومساءلة أكبر، نحو تقليص انعدام المساواة وعدالة أكثر، والحد من عدم اليقين وتعزيز الفرص.