الشرق تريبيون- اخبار
بعد أن تعهدت برلين بإنفاق أكثر من نصف تريليون دولار على الدفاع في العقد المقبل، يسعى المصنّعون الذين يواجهون ركودًا اقتصاديًا مستمرًا وتراجعًا في الصادرات إلى الولايات المتحدة والصين جاهدين لإعادة ابتكار أنفسهم كموردين عسكريين، بحسب "واشنطن بوست".
في جميع أنحاء ألمانيا، تُعاد تهيئة مصانع عربات السكك الحديدية لإنتاج المركبات العسكرية، وينضم موردو السيارات إلى شركات المقاولات الدفاعية، وأصبح الجنود السابقون فجأةً مطلوبين بشدة في سوق العمل.
تضاعفت عضوية الهيئة التجارية الرئيسية لقطاع الدفاع الألماني تقريبًا في العام الماضي، وقال بيتر شيبن، المتحدث باسم الرابطة في برلين، إن العديد من الأعضاء الجدد يأتون من قطاعات ذات توجه مدني، وخاصة صناعة السيارات.
التحول نحو الدفاع
يوفر التحول نحو قطاع الدفاع مزايا حاسمة، منها وفرة التمويل الحكومي والحماية من المنافسة الصينية منخفضة التكلفة. وفي ظل تصاعد العداء من الولايات المتحدة وتنامي التهديد الروسي، تخطط ألمانيا لمضاعفة إنفاقها العسكري السنوي ثلاث مرات تقريبًا خلال السنوات القادمة ليصل إلى حوالي 180 مليار دولار في عام 2029.
بدأ هذا الإنفاق الضخم يظهر جليًا في البيانات الاقتصادية، فقد أظهر الإنتاج الصناعي الألماني لشهر أكتوبر مكاسب كبيرة في القطاعات الموجهة نحو الإنفاق العسكري، وفقًا لهولجر شميدينج، كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرج. وقد ساهم ذلك في تعويض الانخفاضات في قطاعات أخرى رئيسية في الصناعة الألمانية، مثل السيارات والمواد الكيميائية.
دعم الشركات الناشئة
يُعدّ هذا بمثابة فرصة ذهبية لقطاع التصنيع الألماني المُنهك، الذي انكمش باطراد على مدى 7 سنوات، مُثقلًا بضغوط ارتفاع أسعار الطاقة، والمنافسة الشرسة من الصين، والتعريفات الجمركية الأمريكية.
ويأمل الاقتصاديون أن يُوجّه جزء من هذا التمويل إلى البحث والتطوير، ما يُعزز نمو الإنتاجية الألمانية، ويدعم الشركات الناشئة، ويُنمي الصادرات الجديدة، تمامًا كما ساهم التمويل الحكومي الأمريكي في نشأة وادي السيليكون.
يقول جونترام وولف، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الحرة في بروكسل: "إن الإنفاق الدفاعي ضخم إلى درجة أنه سيُحدث نقلة نوعية في مجال البحوث الأساسية والتطبيقية العسكرية".
التوسع في الإنتاج الدفاعي
في مدينة هايدلبرج الجامعية جنوب ألمانيا، يبحث مايكل ويلنزون، المدير التنفيذي في شركة هايدلبرجر دروكمشينن لصناعة آلات الطباعة، عن سبل للاستفادة من مئات المهندسين مع انخفاض الطلب على منتجات الشركة التقليدية.
وتتمثل خطته في إنشاء شركة دفاعية متخصصة في المركبات البرية ذاتية القيادة وأنظمة الطاقة، مستهدفًا تحقيق إيرادات سنوية تبلغ حوالي 100 مليون يورو، أي ما يعادل 117 مليون دولار أمريكي تقريبًا، لقطاع الأعمال الذي يشمل الدفاع، والذي سيُنتج بشكل رئيسي في ألمانيا.
وفي أكتوبر الماضي، أعلنت شركة ترامبف، وهي مجموعة هندسية ميكانيكية كبيرة مقرها جنوب غرب ألمانيا، أنها ستوظف خبرتها في مجال الليزر لبناء أنظمة دفاعية للطائرات المسيّرة، بالتعاون مع مجموعة إلكترونية محلية.
لم يعد هذا التحول مثيرًا للجدل كما كان في السابق في بلد يتمتع بتقاليد سلمية راسخة منذ الحرب العالمية الثانية، ويؤيد معظم الألمان زيادة الإنفاق العسكري، حتى وإن كان البعض يخشى أن يجعل ذلك البلاد هدفًا، كما يقول تيمو جراف، عالم الاجتماع في مركز الدراسات الألمانية.