ماذا تريد الشعوب ؟ ديمقراطية أم إقتصاد يلبى حاجة مواطنيها ؟
محمد العطيفى
الشعوب بطبعها تميل الى تلبية الحاجة الإجتماعىة الضرورية قبل الحديث عن الديمقراطية . فما يهم الفرد والجماعة هو ( الطعام ، والتعليم ، والصحة ، والعمل ) . إذا توفرت هذه الأمور ، لن يشغل الفرد كيف تدار أمور الدولة . أذن الإقتصاد هو العامل المشترك الذى يجمع أى شعب .
والإقتصاد ليس ممارسة ، بل هو قائم على التفضيل بين شيئين ايهما اهم مرتبط بضرورة حاجة الانسان اليها .
أما الديمقراطية فهى قواعد وأسس تتوصل لها الشعوب بعد ممارسات طويلة . ولها اشكال متعددة تبدأ من الديمقراطية الكلاسيكية التى بدأت فى ( أثينا القديمة ) مروراً بديمقراطية الجمهوريين ، والديمقراطية الليبرالية ثم الديمقراطية المباشرة ونهاية السياسة، وهى من ديمقراطيات القرن العشرين ، ثم خرج من رحمها ديمقراطية التعددية التى تنتهجها بعض الدول فى العالم ، لنصل فى النهاية الى ديمقراطية يتم تصديرها لنا فى الشرق الأوسط بل تُفرّض تكاد أن تهلك بعض الشعوب وتدمرها وتساعد على انهيار وتقسيم الدول ، وهى ديمقراطية الدولة القومية ونظام العولمة . التى تقف خلفها الشركات الكبرى ، والمؤسسات الدولية لتشيع الفوضى وتهدم الدول لتخلق حالة عدم الاستقرار بحجة الديمقراطية المزعومة .
اذن نرى أن الديمقراطية لها أشكال وصور مختلفة ، ويحتاج تحقيقها الممارسة ورحلة طويلة ، ويمكن الوصول لها عن طريق ( الإصلاح السياسى) لضمان إستقرار الدولة وبقائها ، وهى ماتسمى ثورات التصحيح.وهو ماتتبناه حالياً أعتى وأقدم الديمقراطيات فى الزمن الحديث .
لأن السؤال المنطقى الذى يبحث عن إجابة هو : ماذا يصنع بالديمقراطية شعب ليس لديه إقتصاد يمكن توزيعه على الشعوب ؟ أو دولة يولد فيها الانسان مكبلاً بأعباء الديون ؟ ولو نظرنا الى الحراك العربى وماسمى ( الربيع العربى ) كان الإقتصاد فقط هو محركه الرئيسى .
وهنا أقتبس من ( دارون اسيموجلو و جيمس روبنسون) فى كتابهم الجديد ( لماذا تسقط الأمم )
والذى يرى أن ( الفساد ) هو الآفة التى تسقط الدولة . وضربا مثلاً للحياة بين دولتين متجاورتين وعلى السياج الفاصل بين أميركا بالمكسيك فى منطقة ( نوجلاس) تم ترسيم هذه الحدود عام ١٨٥٣بعد حرب المكسيك مع الأمريكان عام ( ١٩٤٦-١٨٤٨) .
فسكان هذا الأقليم مختلفين ربما عرقياً رغم أن الاقليم واحد وخطوات تقطعها سيراً على الأقدام معدودة هو الحاجز الحدودى لترى الفرق .
فمن يعيش فى الجزء الخاضع لسيادة الولايات المتحدة الإمريكية ومنطقة ( نوجلاس الاريزونا) تحديداً هم مهاجرين من أوروبا ، أما من يعيش على الجانب الآخر من المكسيك منطقة ( نوجلاس سونورا)على الجانب الآخر من السياج الفاصل منحدرون من الجنس ( الأزنكى) الذى حكم المكسيك قبل أن يفتحها الأسبان عام ١٥١٩ .هذا على صعيد الجنس البشرى.
أما على الأصعدة الأخرى ففى ( نوجلاس أريزونا ) تبدأ الدخول من٣٠٠٠٠ ثلاثون الف دولار دخل البيت الواحد ، الأطفال كلهم فى مراحل التعليم ، الأكثرية من الشباب يحملون مؤهلات جامعية ، متوسط الأعمار لكبار السن أكثر من ٦٥ سنة نتيجة إرتفاع مستوى الرعاية الصحية .
الدولة تضمن الكهرباء ، التليفونات ، الصحة ، الطرق الممهدة التى تربطهم بالمدن والولايات الامريكية الأخرى . حضور القانون والنظام الذى يسود الجميع . السكان يستطيعون التحرك دون خوف على الأرواح ولا يخافون السرقة . يمكنهم الإستثمار دون وجود فساد فى المؤسسات ، وهذا ماتضمنه لهم الحكومة .
وعلى بعد خطوات نجد الجنوب فى الجانب المكسيكى ( نوجلاس سونورا) تجد أن دخل المواطن هناك أقل من ٣٠٪ من نظيره على الجانب الآخر فى الشمال ، الغالبية من سكان الجانب المكسيكي فى الإقليم لا يحملون شهادة جامعية . غالبية الأطفال محرومين من التعليم الأساسى ، الفقر فى الصحة ، الطرق غير ممهدة أو هالكة ، النظام والقانون فى غفلة ، فالجرائم نسبتها مرتفعة ، الاستثمار مخاطرة وهذا نتيجة الحماقة والفساد .
ففى اميركا تعتبر الديمقراطية هى الهدف الثانى بعد تلبية حاجاته الإجتماعية التى يضمنها له الإقتصاد .
فى المكسيك منذ عام ٢٠٠٠ هناك ديمقراطية وإصلاح سياسى ، لكن يبقى الفساد وسوء الإدارة داخل المؤسسات عائق أمام التقدم أو تحقيق أى هدف يلبى طموح وأحلام مواطنيها .
من خلال هذه المقارنة يمكننا القول أننا فى مصر وبعض البلدان العربية نحتاج للتكاتف جميعاً لخلق إقتصاد يشعر به المواطن فى الصحة والتعليم ودخل الأفراد وخلق أكبر فرص العمل للشباب . ومحاربة الفساد وخلق النظام بسيادة القانون ، وتكون هناك مساحة فى المؤسسات للإصلاح والتطوير . عندها سننظر الى الديمقراطية كهدف ثانى بعدالإقتصاد الذى هو الهدف الأول و الرئيسى للجماعات والأفراد .