لندن - الشرق تريبيون- جينا عيسى
لفنجان الشاي لدى طقوس وشغف ، استعداد للاستمتاع والمتعة ، سخونة الفنجان ، وعمق النظر فيه ، متعة النظر والتأمل فى البخار وهو يخرج من فنجانى الانيق …يحلو لي شربه في حديقة منزلي صباحاً عندما يكون الطقس دافىءً، وذات صباح جلست كالعادة استمتع في فنجان الشاي والكوب يلمع من أشعة الشمس الخجولة تبسط نورها على المكان. و (فلافي) كلبي الوفي يجلس قرب قدمي وكأنه بذالك يضمن بقائي بجواره، ينظر إليّ نظرة صدق، حب، اخلاص و وفاء، ورائحة الكرواسان الطازجة والبسكويت تجعله أكثر لطفاً لعلّ ينابله جزء منه، مددت يدي وأطعمته قطعة من الكرواسان الموجود امامي.( فلافي) إسم على مسمّى فهو ابيض كالثلج، شعره كثيف و ناعم، صغير الحجم…نعم هو صديقي.
كنت أنظر إلى جمال الزهور واستمتع بزقزقة العصافير وأفكّر في الحياة وفي وفاء هذا الكلب و إخلاصه.
وانا ارتشف من فنجان الشاي كان هناك بخار متصاعد يلتفّ كلٌ في اتجاه ويتصارع في ما بينه ويختفي متأثرا بأشعة الشمس ، رأيت الوفاء والغدر من بخار هذا الفنجان في صراع إلى ان تحسم المعركة في تدنّي حرارة الشاي. كان البخار يشدّني اليه حتى دخلت في محادثة بين الوفاء والغدر، سأل الأخير أين انت؟ لما لا أراك ؟! فأجاب الوفاء: أنا هنا موجودٌ في كل مكان… أطرق الأبواب أذكّر الناس بي وأدعوهم إلى دياري الفسيحة التى لا تخزلهم، صحيح إن قلّة تتبعني ولكن موجودٌ موجود.
قهقه الغدر وصاحت الخيانة بإستهزاء كبير أين ومتى؟! وكيف؟! ومن ؟! أنظر ألا ترى الناس تتبعني أنا القوة، أنا الجبروت أنا الغدر تؤامي نحن إثنان لا ينفصلان نقاتل بشراسة لنحتل قلوب الناس، نحن نعطيهم…طوابير الناس تقصدنا او نقصدهم، في مملكتنا نعطي الكثير، وانت ماذا تعطي؟ هه ماذا؟! وانت فقير في بلاد الله تسير تشحذ القلوب وتترجّى النفوس.
قاطعه صوت الوفاء : أنا ملك العطاء…حبٌ وحنانٌ للغني وللبسطاء، أدخل البيوت امنحهم سلام وأمان… راحة وحب نحن تؤمان، نعم كل هؤلاء عائلتي فعزوَتي كبيرة…
صاح الغدر بالتكبّر يختال أنا الغدر والخيانة تؤامي والمكر والخبث والكذب قبيلتي وعشيرتي نفتك وُ ندمّرُ نحن جيش كبير … وانت انت يتيمُ.
أنا اليتيم والحب تؤامي ابلسم الجروح … أكفكف الدموع… أجبر القلوب المكسورة وأُطَبْطِبُ على الاكتاف الثقيلة… لا تقارن نفسك بي يا غدر ويا خيانة فأنتم أينما حللتم تدمّروا السكينة وتجعلوا القلوب حزينة.
أيقظني صوت نباح (فلافي)ربما يريد ان يبعدنى من هذه المشاجرة العقيمة، فالغدر يبقى غدر والوفاء يبقى وفاء ولنا الإختيار.
تنهّدت وقضمت قطعة بسكويت وكأني أطحن الغدر والخيانة تحت أضراسي، كيف لا وقد زراني الغدر وعصفت بداري الخيانة، فلم يطرقوا بابي بل كسّروا الأبواب وشلّعوا النوافذ زوبعة إقتلعت كل شيء من حولى .
جلست كالمحارب المكسور يحضن بندقية الوفاء والعطاء ويبدو فارغاً فلقد أعطى لِحَد الفراغ ووفى لِحَد التفاني. في هذه الحياة أنا سأبقى جندي يغرس عَلَمَ الوفاء وراية المحبة والسلام والعطاء في كل ساحة قتال وأعود لأمتلئ وفاء وعطاء.
نحن في زمن يشرف الوفاء على الانقراض والوحش المسيطر الخيانة والغدر والطمع…
ولا ننسى الأنا المكتسحة في السوشيال ميديا. برود حرارة الشاي تقضي على صراع هذا البخار وهكذا نحن علينا ان نبرد بعودتنا إلى الأصالة والتقاليد والمحبة والوفاء والعطاء.
وها هو صوت السيدة فيروز يصدح في منزل جارتنا يكلل صباحي بالسلام والطمأنينة ويعود بي إلى القرى وأهلها البسطاء جنود الوفاء والعطاء