مجتمع جمال علبد الناصر ،وقف مع تشجيع العلم وتحرير المرأة ،ورفض مطلب الإخوان بفرض الحجاب ،لأنه ( جمال عبد الناصر) يشجع اختلاط المرأة في بناء المجتمع ،وقد شاهدت بنفسي انضمام نساء فقيرات العمل بالمصانع والألتحاق بالدراسة ،وترك خدمة الإثرياء في منازلهم.
مجتمع عبد الناصر ،استهدف التحديث ،ومنح الفقراء ،ضحايا كل العصور ،فرصة للحياة والعمل والتعليم ،ومشكلة الفقر قديمة في مصر ،ولم ينصد لها سوى نظام عبد الناصر ،الذي انشأ المصانع في طول البلاد وعرضها ودخلت الكهرباء للكفور النائية ،وأضاءت القرى المظلمة التي حدثنا عنها طه حسين في كتأبه (الأيام) ،اذ في ظلال الظلام تنمو الخرافات وينتشر الجهل مع الكراهية .
نظام عبد الناصر ،يمكن نقده بقوة وعنف ،لكن السقوط في مصيدة الهجوم الكاسح ،ومدح النظام الملكي ،هدفه الإنتقام ،حتى لا تتكرر تجربة التنمية بهذا الشكل ،التي حاولت استنهاض الشعب من عبودية ظلت لقرون.
الحرية ،لا تعني ثرثرة الأثرياء في المقاهي الراقية ،وإنما خلق فرص العمل والتعليم لملايين البشر ،حاول نظام يوليو ،تصنيع البلاد ،حتى تعتمد على نفسها ولا تقترض لتعيش ،كما فعل حكام سابقون ،كان التصنيع والتعليم والصحة والعلاج المحاني هدف النظام.
كنا في الستينيات نصنع ونبني الجامعات ،لكن نظام السادات انقلب على تلك المعادلة الوطنية ،وإصبح الأستيراد هو الحل ،لخلق طبقة جديدة ،تعتمد على أرباح من السمسرة والعمولات.
تم تخريب الصناعة والزراعة ،وتم ترويج ثقافة تسخر من العلم والعمل والجهد ،وتروج لمقولات فاسدة ،دعت اليها صحافة أخبار اليوم ،التي روجت لمشروع السادات.
المشروع الساداتي كله عبارة عن تبعية وإرهاق الأقتصاد الوطني لصالح الإجنبي ،وخلق طبقة سماسرة ووكلاء ،دمروا أقتصاد ،حقق أعلى معدل للتنمية قبل نكسة ٦٧.
لم يتوقف مشروع بناء السد العالي بسبب النكسة ،وقبل رحيل عبد الناصر ،تم أفتتاح أكاديمية الفنون في الهرم ،أمةخسرت معركةعسكرية وتبني أكاديمية فنون ،وأم كلثوم تغني للحب والأمل.
تلك الروح ،كان المطلوب نسفها تماما ،لذلك احضر السادات اللعين ،الشعراوي لينقلنا من عشق الدنيا للخوف من الآخرة ،وترك المصانع وفتح كتب التفاسير ،التي أسقطتنا في دوامة عن قشور الدين وعمقت كراهية للأقباط ،بهدف تدمير التماسك الداخلي ،وتحولنا من مصريين ،نحلم بالمستقبل ونذهب للمسارح ودور السينما، لسلفيين متزمتين ،نضع الحجاب على رأس المرأة ،ونستمع لفتاوى خبيثة لا علاقة لها بإسلام أو دين ،اذ كلها تعمق الفتنة والأضطراب العقلي
مجتمع عبد الناصر خاليا من حجاب فرضه الإخوان ،كما صرح عصام العريان ،وكانت أم كلثوم تغني والنساء سافرات في حفلاتها ينفعلن بكلمات أحمد رامي وإبراهيم ناجي
قارن بين مجتمع عبد الناصر وواقعنا الآن ،في عصر الديكتاتور ،كنا نقرأ لويس عوض ومحمد حسنين هيكل وحسين فوزي وتوفيق الحكيم في الأهرام ،مع طليعة لطفي الخولي ومجلة الكاتب وأحمد عباس صالح ،والمسرح يعرض أعمال نعمان عاشور ومحمود السعدني ويوسف إدريس.
كانت هناك صعوبات على المسار الديمقراطي ،لكن الحوار استمر مما ادى لخروج اليسار من السجون ،لذلك كنا نقرأ محمود أمين العام وعبد العظيم أنيس ،وشهدت الصحافة قفزة نوعية تم تصفيتها مع تولي السادات للسلطة
السادات في رأي خائن ،لأنه مًكن الإخوان من عقل مصر ،فكانت الهزيمة التي نعاني منها الآن.
توحش الفكر السلفي وقمعه حرية التفكير وفرض رقابة صارمة على كل مجتهد ومحاولة تقديمه للمحاكمة بدعوى ازدراء الأديان ،كما حدث مع إسلام بحيرى وفاطمة قاعود وخالد منتصر.
الهجوم دولة عبد الناصر الوطنية اعتداء على العقل والوطن ،وقد رحل الرجل من سنوات ،فماذا حدث ؟ فقد وصل الإخوان للسلطة، ترجمة لحالة التردي وغلق المصانع وترويج لفكر متخلف في كل ارجاء الحياة وترك أفكار سيد قطب تنمو ،وتدفع الشباب المصري لعنف ونسف الكنائس
حالة التردي ،نتيجة لتبني خيار السادات وترك مجتمع عبد الناصر ،طبعا كانت التجربة الوطنية تحتاج لديمقراطية وتعدد ،لكن في ظل مجتمع قادر على حماية نفسه أولا وتصنيع احتياجاته وعدم الأعتماد على الفروض الخارجية
كان لدينا تجربة قابلة للتعديل ونزع عنها سيطرة الإجهزة ،لكننا نسفنا البناء كله وأصبح حالنا الآن ما نراه من سلفية مدمرة وتخلف وقمامة ودعاة يحققون الملايين ويتزوجون نساء جميلات ،ويروجون للتقشف ويقودون سيارات فارهة ثمنها يدخل خانة الملايين
الغريب أن متعلمين يهاجمون مجتمع عبد الناصر ويتعاطفون مع نظام السادات الذي ألقى بأعلام الوطن في الوحل والتراب. وتلك مأساة أن تتعاطف مع عدوك وتكره من حرًرك من إحتلال وأقطاع وفساد طبقات مترفة نهبت ثروات البلاد لإحقاب طويلة من الزمان.