لا يعرف الكثير من الشعب الليبي في هذه المرحلة من تاريخ ليبيا أنه توجد أقلية يهودية ليبية في المهجر تنتسب إلى ليبيا و تريد العودة إليها أسوة بغيرهم من الليبين و الليبيات الذين يقيمون في ديار الهجرة و يعتزمون العودة إلى وطنهم عندما تسمح الظروف السياسية .
إن التواجد اليهودي في ليبيا يمتد تاريخيا إلى ثلاثمئة سنة قبل الميلاد ، فجذور اليهود الليبيين ضاربة في التاريخ . فلقد عاشوا في هذه البلاد منذ الحقبتين الإغريقية و الرومانية . و عندما دخل الإسلام ليبيا لم يفكر أحد في إكراههم على إعتناق الدين الجديد أو في إرغامهم على الرحيل من بلادهم بل عاشوا مع الليبيين المسلمين كأهل كتاب تحترم خصوصيتهم الدينية .
و لكن هذا التواجد المتواصل في ليبيا قد إنتهى عندما هجر اليهود من بلادهم رسميا ظلما و عدوانا سنة 1967 عقب حرب يونيو في سابقة فريدة في تاريخ ليبيا المديد . فقد أعطت الحكومة الليبية عندئذ كل يهودي ليبي أو ليبية مبلغ 20$ فقط و حق أخذ حقيبة أمتعة واحدة معه لا أكثر عند طرده من بلاده . جاء ذلك عقب جرائم أرتكبت ضد اليهود في بعض من المدن الليبية بسبب الدعاية الإعلامية المعادية لإسرائيل من قبل نظام الديكتاتور جمال عبد الناصر في مصر .
كان عدد اليهود الذين وقع عليهم هذا الظلم قرابة سبعة آلاف وقد إستقبلتهم حكومة السيد جيوليو أندريوتي الإيطالية جميعا لأسباب إنسانية . و لا زال البعض منهم يعيش هناك بينما هاجر البعض الآخر إلى دول أخرى .
كان عدد يهود ليبيا في مطلع القرن العشرين يناهز الخمسين ألفا يسكن أغلبهم في مدينتي طرابلس و بنغازي ، و لكن عددهم أخذ في التضاءل شيئا فشيئا ، خصوصا على يد الفاشيت الذين أصدروا ما يعرف بقوانين الحفاظ على العرق المعادية للسامية في سنة 1938 ، و التي وضع على إثرها الآلاف من يهود ليبيا في معسكرات إعتقال حيث قضى الكثير منهم نحبه هناك لسوء المعاملة و الجوع و المرض . و يمكن تفسير كثير مما لحق بهؤلاء اليهود من ظلم على أنه إنتقام لأن الكثير منهم قد إنضموا إلى صفوف المجاهدين في حربهم ضد المستعمر الإيطالي ، و قد نفذت في بعضهم عقوبة الإعدام على يد الطليان لذلك . و من قادة اليهود المجاهدين الذين أعدمتهم إيطاليا السادة جوبا بوارون و كوبا الوسفي و رفيل لوزون القاتي الذين كانوا يقاتلون في صفوف جيش رمضان السويحلي في مصراته .
و لعل أشهر معسكرات إعتقال اليهود في ليبيا للذي كان في جادوا الذي جلب إليه 2600 من يهود برقة حيث قضى حوالي خمسهم نحبه هناك . و لكن قد وجد اليهود في هذه المعتقلات تعاطفا كبيرا من إخوتهم الليبيين المسلمين الذين أمدوا لهم يد العون و الرحمة كلما سنحت الفرصة عبر الأسلاك الشائكة . لقد كانت صفحة مضيئة للتآخي بين المسلمين و اليهود.
وعندما دخلت إيطاليا الحرب إلى جانب المانيا سنة 1940 سفر كثير من اليهود الليبيين إلى معسكرات إعتقال في إيطاليا ومن هناك جرى ترحيل الكثير منهم إلى معسكرات الإبادة الجماعية في بولندا و النمسا بناء على أوامر النازيين فمات الكثير منهم في غرف الغاز .
و لقد حدث في أحد الأيام الأخيرة من الحرب أنه أثناء نقل مجموعة من هؤلاء اليهود الليبيين في القطار ليلاقوا حتفهم في معسكر بيرغن بيلسن للإبادة الجماعية في بولندا أن توقف القطار فجأة و فتحت أبوابه ، فبدلا من يلاقيهم الجنود النازيين لينكلوا بهم وجدوا جنودا من الحلفاء في إستقبالهم ، ففكوا أسرهم و مدوا لهم يد العون . لقد كانت نهاية سعيدة لتجربة مروعة من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان .
لقد تنامى مؤخرا لعلم السيد والتر أربيب - أحد مؤسسي الحزب الديمقراطي و رئيسه الفخري - أنه تجري هذه الأيام محاولة لهدم معبد دار بيشي اليهودي في المدينة القديمة بطرابلس ( الحارة ) ولبناء مسجد مكانه . إن هذا من عمل الثورة المضادة الإجرامي الذي يهدف إلى تقويض الإنتقال الديمقراطي في ليبيا . فلقد أخطرت المخابرات السعودية عملائها الوهابيين المحليين ( المداخل ) بالإعتداء على قدسية هذا الصرح الديني الضاربة جذوره في التاريخ . إن هذا المعبد جزء من إرثنا الثقافي الليبي المشترك و لا يحق لأحد أن يصادر تاريخنا .
إن هدم دور العبادة أمر يحرمه الإسلام . لهذا فإن الحزب الديمقراطي يهيب بالشعب الليبي و بحكومة الوحدة الوطنية أن تتصدى لهذه المؤامرة بلا تأخير، إذ يجب علينا نحن ليبيوا اليوم أن لا نكرر أخطاء الماضي . إننا نحترم جميع الأديان و لن نسمح للسياسة القذرة أن تفسد العلاقة بين مسلمي ليبيا و يهودها ثانية . يجب علينا أن لا نفعل مثلما فعل بعض الهندوس من هدم مسجد باربي في أيوديا عام 1992 و الذي ترك وصمة عار في جبين الهند .
كما يود الحزب الديمقراطي أن يهيب باليونسكو أن تعطي معبد دار بيشي صفة موقع إرث ثقافي عالمي .
لقد نص دستور الإستقلال على حماية حقوق الأقليات الدينية و العرقية و من بينها اليهودية . وإنه لمن الضروري أن تضمن مسودة دستور ثورة فبراير نصا مثله قبل أن تعرض للإستفتاء الشعبي . لهذا يهيب الحزب الديمقراطي بأن تساعدنا الأمم المتحدة في هذا السبيل .
لقد آن الأوان أن يتصالح جميع الليبيين من أجل بناء ليبيا الديمقراطية التي نصبوا إليها ، و هذا يتضمن أن يعطى اليهود الليبيون حق العودة إلى بلادهم و أن يحظوا بحقوقهم السياسية و المدنية كاملة غير منقوصة أسوة ببقية الليبيين ، فذلك واجب إسلامي و ضرورة أخلاقية ملحة . و لنبدأ معا مسلمين و يهود صفحة جديدة نثبت فيها للعالم أجمع أن ثورة 17 فبراير المجيدة هي بحق ثورة المساواة و حقوق الإنسان .
" إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء "